Sunday

حوار بين امرأة لن تكون ومرآة


أخيرا، وبعد إسكات المنبه وتأجيل موعده لتسعة دقائق في المرات الخمسة التي على فيها صوت فيروز "أعطيني الناي وغني". (وكنت في كل مرة أسكته قبل أن تكمل فيروز "فالغنى سر الوجود")، قررت بأن أترك الفراش كي استعد للذهاب إلى العمل، لم آبه إلى تأخر الوقت بل على العكس أزلت الغطاء بتكاسل وجلست على حافة السرير لدقيقة أخرى، ومن ثم توجهت لأغسل وجهي وإذ بي أنظر إلى نفسي بالمرآة وأحدثها عن كل ما يمكن أن يقال ولا يجب أن يقال:

كأن أقول للعامل في محل القهوة الذي اعتدت ارتياده في كل صباح في طريقي إلى العمل، إطراءاتك المتكررة وتذكيرك لي باسمك"دايفيد" لن يفيدك شيئا بل بالعكس أصبح وجودك في محل القهوة هذا مزعجا وسأضطر لتغيير وجهتي صباحا حتى لا تراني ولا تتأملني ولا تحلم بأننا ممكن أن نكون


أو كأن أقول لأمي، أنا لست تلك البنت التي تختالين بها المترفعة عن كل
خطأ "وفقا لمعاييرك" أنا كل ما لا ترغبين به أن أكون...لذا فلتلتزم الصمت إذا ما جالستي الجيران ولا تشاركي بالحديث عن هذه أو تلك، فابنتك التي تثقين بل توقنين بأنها غير قادرة على الانحراف عن المسار الذي خطه مورثك لها قد شتت عنه ولم تعد تراه أو تذكره من حيث هي الآن


أود أيضا أن أقول لصديقتي التي تتألم على
فراقه، بأنه لن يعود وبأنك ستألمين لوقت طويل وستتألمين أكثر كلما تذكرتي ذلك الشيء الذي سلبك إياه (الأمل، الغباء، ما يسمونه حب، براءة أو غيرها) والذي لن تملكي أن تقديمه لمن يمكن أن يأتي بعده، وسأقول لها بأن من سيأتي بعده حتما سيبدو أجمل في البدايات ولكنه سيأخذ ملامح وجهه هو بعد زمن وسيختفي ربما لبس جسديا ولكنه سيختفي



كما أود أن أقول للاتي ينتظرن يوم العرس المشهود أنه قد يأتي ولكن لن
يجيء بذلك اللاتي لطالما انتظرتموه


أود أن أقول لأبي كم أخطأت في حقنا،
وكم أمقت أنك لا ترى هذا ولكن كيف لك أن ترى فأنت رجل وأكثر شرقي.. كيف لك أن تخطأ


أود أن أقول لذلك البعيد الذي ينتظر مني مجرد ابتسامة رمزية في رسالة
قصيرة، أنا لا أستحق هذا التعظيم والاهتمام، فهنا رجل غيرك يفتش عن معدات قياس مبتكرة ليتأكد من إبقائي على مسافة محددة وأي خطوة أقرب ستولد عنده منظومة دفاع خارقة قد تطردني إلى خارج حدود الأوزون



أود أن أقول لكل من يعرفونك
ويعرفوني.. بأن هذا هو حبيبي


أود أن أقول لمن أصبحت صديقتي وكانت قد شاركتك
الفراش يوما.. بأن هذا حبيبي



أود أو أقول لصديقاتك اللاتي لا ولن يعلمن
بي.. بأنني أنا هي تلك التي لم تسمعونه يتحدث عنها ولكنكم لا بد أن أحسستم بها وأنتم تواصلونه كل يوم.. كل ساعة


!
أود أن أقول لك.. بأن كل ما تحاول
منطقته هو غير منطقي وأنا لا أؤمن به


وبأن إخفاءك لصداقتك عني أمر
يعنيني و يحزنني



و إخفاءك لعلاقتنا أمر يعنيني و يحزنني



وإصرارك على الانتهاء وحيدا أمر يعنيني و يحزنني



واستمتاعك
بالسفر وحيدا أمر يعنيني و يحزنني


وتظاهُرك بالصلابة وصراعك الدائم مع ما تشعر به نحوي
أمر يعنيني ويحزنني


أود أن أقول لنفسي بأنك ستنتهين وحيدة وستكرهين ذلك وبالتالي ستكرهينني على ما اتخذته وما لم اتخذه من قرارات

***


أطُل علي من الجهة الأخرى للمرآة مقاطعة: هل أنت قادرة على مواجهتهم ومواجهته بكل ذلك الغضب والقسوة وعدم الرضا والأنانية، هل أن قادرة على مواجهتهم ومواجهته بتلك الروح المحمومة... هل تعين ما تودين قوله؟

أُُجيبني وقد رُسمت ابتسامة صفراء على وجهي وأقول، أمازحك، لا بد وأنني قد
أبصرت حلما مزعجا، أو ربما السبب هو دورتي الشهرية أو بالأحرى الشيطانية التي تأتي لتضخ في رأسي تلك الأفكار المسمومة..


أنا جميلة وصديقة وابنة صالحة و حبيبة قنوعة


أنا أعشق الحياة وأحبك بكل ما لا تفعله، وأنا أقدر لطف الناس ودايفيد


وأنا سعيدة بالاستماع لأحلامهم و همومهم البسيطة وبكل ما قد أقدمه من إجابات حتى وإن لم تكن كافية


تجبيني تلك التي تحاورني في المرآة: إذا فاطردي من رأسك كل ما يمكن أن يقال وترشفِ الحياة يوما ويوم جديد وآخر يليه إلى أن يباغتك النوم!

تعجبني الفكرة فأغسل وجهي، ومن ثم أمغمض بغسول فم لاذع ذو رائحة زكية وقوية وأعيد الكرة مرتين أو ثلاثة وتضيع امرأة لن تكون في المرآة فأسترد وعيي/غفلتي وأمشي بقرب الحائط لأمارس طقوسي اليومية/ الأبدية....شكرا دايفيد!

5 comments:

White Wings said...

فلتنزل اللعنات على من تحاول خنق امرأة لن تكون، ولتكن هذه المرأة، الصادقة، الواعية، والأهم، السعيدة
الى متى نمثل أدواراً مرسومة؟ كأنني نمشي في خندق حفظنا جدرانه وعرفنا نهايته
أهذا غاية من نرجوه من الحياة؟؟
أثارتني المرأة في مرآتك، اذا رأيتها صباح الغد أخبريها مني رسالة: اذهبي الى العدم واتركي انرأة لن تكون في حالها
رائعة كالعادة
افتقدناك

إمرأة لن تكون said...

عزيزتي وهل نعلم ما نرجوه من الحياة؟
أبلغت الرسالة فلم تظهر في المرآة !!!ولكنها استقرت في رأسي

رائع وجودك كالعادة:)

9ahba'a said...

رائعة كما عهدناك ,هناك ما يجمعني بتلك التي في المرآة و خصوصة الفقرة التي ذكرت بها امها

فعلا نحن مجموعة من التناقظات و نفاق يفرضه علينا مجتمعنا

دمت بحب

White Wings said...

سيدتين أين أنت؟
هل ابتلعتك تلك المرأة في المرآة؟؟
لن يكون ذلك أبداً

إمرأة لن تكون said...

الأعزاء
9ahba'a
White Wing

أعتذر كثيرا على تأخري في الرد، لا أملك إلا الإعتذار فلا مبرر لغيبتي إلا الكسل
شكرا لوجودكما الجميل
:)