Wednesday

جواز سفر

جوازَ سفر ملطخة أول صفحاته بتوقيع لواء متهم بالدم والغدر، يتوسطه إقامة لبلاد الأرض جميعا، وفي ذيوله بقايا أحلام متصدعة
!
تمنح تلك الوثيقة أصحابها العديد من المزايا، نتقيأها هنا على سبيل التخلص من الغثيان الذي أصابنا بفعل ذلك المسلسل الذي سأمنا ننتظر وجدودنا وربما أرحامنا حلول آخر حلقاته
!
هو المسلسل نفسه، الأبطال لم يتغيروا كثيرا، النص والإخراج وحتى الحوار كذلك لم ولن يتغيروا (ربما!)، حتى أن المخرج يبهره ذلك النجاح الساحق الذي يحققه نفس المسلسل في كل مرة، فهو لم يتوقع استقطاب تلك الحشود المشاهدة الشاهدة المظللة بمجرد تعديل طفيف للأدوار، أو تغيير العنوان، أو تخصيص البطولة لنجم جديد في هذا الزمن أو ذاك
!
استدعي لحضور العرض غير المنقطع كل من امتلك تلك الوثيقة التي اسود احمرارها مؤخرا معلنة الحداد الأزلي على شهداء أرحامنا، ومنذ العرض الأول والجمهور ما يزال تحت قدم الاختيار، مثلهم كمثل قوم نوح من ركب معه هو آمن ومن قرر خلاف ذلك فالغرق سيطال به لا مفر
!
يبدأ العرض بكلمة للمخرج "يا أيها الجمهور الكريم لقد أرسلنا عليكم الوحي الناطق بلسان عربي فارسي فرنسي روسي إيطالي أمريكيي إسرائيلي بأن أرحلوا أبدا أو ابقوا وكونوا خلفاءنا، فأنتم دائما مخيرين مسيرين، إما استعمار أصولي بعثي قومي جار، أو براثن عدو الجميع تتربص لتفترس أجسادكم الطرية (أنتم فقط)، إما أقلية أم أكثرية، إما معارضة أصحبت سلطة أم موالاة أصبحت معارضة، إما ثلثين أم ثلث عاطل، إما الشارع أم المهجر
!
هكذا كانت الحشود مجبرة على اتخاذ موقف من لبانيتها، فمشهد "أن تكون لبنانيا فقط" قد تم حذفه، واستبدل بمشهد لبناني ...وحزبي؟ وطائفي؟ ومغترب؟ومهجر؟ أو غيرها من الإضافات التي كان لا بد منها لتضفي نكهة على المشهد بكل أو إحدى تلك التوابل التي لا تسمن ولا تغني من جوع ..أو ربما هي تفعل
!
هلل البعض للحرب الأزلية وأعدوا ال9 ملم وحملوا صور أبطال مسلسل التشويق والقتل، أم الباقي فانقسموا بين مهاجر تقرحت أحلامه كما انتماءاته وهو في انتظار "النهاية" لبداية أدنى حدود الوطن، أو مشاهد مخلص كفر الوطن ونفض ما علق به من غبار الصمود، يشتهى الرحيل كما تَشتهى البكر ليلة عرسها
!
أما أنا ومنذ بزوغ الوطن فيني وجدت نفسي في العدم، أحب الليل، يأتي لكي يستر علي عورة انتماءاتي المتخبطة، منذ أن تهت هنا في صحراء أجبروني على اتخاذها ملاذا، وكأنها تأتي في مغلف واحد مع كل الأشياء الأخرى التي ألصقت بي حين اختتم قيد العائلة ببنت أخرى، زفت لأبيها ببكاء النسوة ناحبات بحدوث كارثة أخرى تضاف إلى الكوارث الخمس اللاتي سبقنها
!
وأنا مازلت هنا أناجي تلك الصحراء التي احتضنت ذكرياتي وحماقاتي وبراءاتي ورعونة شبابي، التمس منها العفو على خياناتي، فأوصالي كشمسها الحارقة، ملتهبة بالشوق والحنين لوطن لا يرغب بي بقدر ما احتضنتني هي، ولكن الحلم بلقاء أزلي يجمعني به (هو) يباغت منامي في كل ليلة، ويأتي في كل صباح ليسلط الضوء على جفاءِ وجفاف كل محاولة مني للانتماء إليها ...وأحيانا إليه
!
والآن سأغمض عيني على الحلم بالهجرة عائدة إليك، أزم جفني بإحكام لأرى ملامح حواريك، حاناتك، مسارحك، لكي أشم تراب أرصفتك، الوقود الغالي الرخيص المحترق من مؤخرة السيارات، وزهر الليمون الجنوبي، أرى وجه جدتي التي تبدو خطوط الكبر عليه أعرض في كل مرة أعود فيها، أصغي لخالتي تحدثني عن مغامراتها مع الجيران، وعن علي الذي لم يقرر الزواج بعد
!
.أفتح عيني مجددا لتبقى تلك الرؤيا متعلقة بأهدابي . أتذكر أن الإيمان لا ولن يكون إلا بك
أستغفرك! وسأبقى مخدرة بعشقك، وسأبقى ...مترنحة بنشوة لقاءنا الأخير، وسأبقى... متوهجة بالأمل للقاء قريب. جافيني كما يحلو لك لن تستزيدني إلا هياما وتصوفا، وتمعن بتعذيبي وإقصائي فقد غدا الألم مستساغ كالحلم، وابصق بي بعيدا.. بعيدا جدا لاشتد التصاقا بك
...
ساعة الصفر إلا شارع، تشرين الثاني 2006

14 comments:

9ahba'a said...

عزيزتي الانتماء لا يحتاج الى اوراق ثبوتية

انما نحن من ابتدعها اتفهم شعورك و لكن لا افهم شعوري وهو الاحساس بالغربة في وطني


بلاغة جميلة تعدت حدود الابداع

إمرأة لن تكون said...

عزيزتي،
الأوطان لم تعد لنا استعمرتها كلاب السلطة والتطرف والتخلف، فلا يحتاج أحدا منا إلا لقليل من التأمل حتى و شعر بالغربة!

أشكرك على الإطراء :)

neelaah said...

لا استطيع ان اقول شئ
غير انك رائعه
مبدعه
ذات قلم لاذع

افرح دوما بجديدك

الملا ابن قنب الهندي said...

لأني اشفق على عيني من بعض العبارات المكلومة في مدونتك فقد قرات آخر النص فقط ..الذي يثبت مرة اخرى ان الحب شيء جميل و مذل
دمت جميلة

إمرأة لن تكون said...

العزيزة نيلة
أفرح دائما بمرورك:)

يونس
وين هالغيبة... اشتقت صراحتك الدافئة
:)

Muhammad said...
This comment has been removed by the author.
Muhammad said...

أول زيارة لمدونتك
عارفة الصورة الشايعة عن لبنان وخصوصا بناتها
ناس كتير معتقدة ان لبنان وطن الدلع و بس
لكن اللي يقرا مدونات اللبنانيين يعرف ان الصورة فيها اجحاف و حكم مسبق
قريت من مدونتك بعض حاجات
شوية من هنا و شوية من هناك
و سواء اتفقت او اختلفت مع كتاباتك, فهي في المجمل عجبتني
عجبني اوي احترامك للـ "كلمة" .. التردد اللي كنتي فيه قبل النشر
ببساطة انتي بتكتبي مش بتهزري
و واعية بصورة كافية انك بتكتبي - و عارفة يعني ايه انك بتكتبي
حاجة كده زي ما نيتشه قال: كتبت كتبي بدمي
مدونتك كمان مكتوبة بدمك
و تيمة الغثيان اللي مركزة عليها دي عجبتني بردو
فكرتني بسارتر رغم اني مش عارف قصدك بالغثيان نفس قصده و الا ليكي تصور تاني
سواء كده او كده, فيكفي ان ليكي موقف
اظنه موقف متماسك من الحياة عموما
عارفة انك انسان في الوجود
و ليكي موقف من الوجود ده
كان بأه الموقف ده قبول او رفض, مش موضوعنا
المهم انه مش موقف هين
هتابعك ان شاء الله
سلام ليكي
و سلام للبنان
بالمناسبة لو شفتي فيروز قوليلها اني بحبها اوي لول

بقالي حوالي ربع ساعة بحاول ابعت التعليق و مفيش فايدة
Frekico (http://ferekico.blogspot.com)

إمرأة لن تكون said...

Poetic
شكرا لمرورك الأول ولسخائك
:فيروز وصتني برسالة لك وقالت
"...سلم لي عليه وقله إني بسلم عليه"
:)

Anonymous said...

تبرىء الكلمات في القلوب

ثم همس الرب في قلوبنا...
الكلمات تصل حيث لا يقدر السلاح

سألنا حكيم قريتنا، كيف ينزل الدفء
على النفوس والشيطان
قد ألقى بسمومه المفضلة
خوفاً ويأساً وكراهية
على القلوب البريئة
كما الرماد من محرقة السعادة

كيف تنام عيون الايمان
وسرير الأمل
تفترشه ملاءة القنوط الشاحب
وعيون الحنث الفاسدة
تنتهك حرمة الكلمات المقدسة
وتسعد باغتيال هدايا السماء

وسألنا :كيف يبتسم الخير
ويصفع الكره الفضيلة من وجه الخجل
و أتباعه يشوهون ويحرفون فى نفوس ضحاياهم
حتى يصل الاعتقاد
بأن الإثم فضيلة والقتل عدالة والكره هو الحب

تحدث الحكيم
بصوته الخفيض وقال
أن للشيطان أتباع
يغتسلون في أنهار النبيذ في حادي*
وبعشق السخرية الفارغ
يحصدون نفوساً مغشوشة جنيت بمنجل الانتحار

مستحيل أن يكون الطريق إلى الفردوس مرصوفاً
بجثث الأبرياء - عبر نهرٍ من الدم
اعتنقوا مد الحق وجزره الرائع في قلوبكم
تقبّلوا الشك والعار أينما كانوا
لكي تدركوا أن النفس تسعد بالعطف وليس بالانتقام

سطع صوته كالضوء وقال:
ابحثوا بشجاعة في أعماق قلوبكم
بلا نفاق ولا خداع ولا إجحاف
وحين تلمسوا الايمان هناك
ستنزل الكلمات الالهيه دواءً للقلوب
مثل مطر أبدي يجذبه البحر دائماً
حتى يرتفع ليملأ حرم النفوس
بودٍ عميق هادىء ويغدو سلاماً
على شواطىء العزم الالهي.


[أرض الموتى في الأساطير الاغريقية*

أبريل 2006

Kha6er said...

هذا البحث مضن .. حلقة مفرغة أخرى .. سؤال الانتماء لا يجوز تصنيفه سؤالاً .. ولا إجابة له

استمري فما تكتبينه جميل

تحياتي

إمرأة لن تكون said...

through gracepeace
شكرا لمرورك الأول أتطلع لمشاركات قادمة

خاطر
مرورك يعني لي الكثير.. عد دائما:)

الملا ابن قنب الهندي said...

اكملت قراءة الموضوع
ليس عندي اعتراض
سأواصل البحث عن طريقة اقل كلفة للخيانة
دمت جميلة كالعادة

Unknown said...

Hey,
We, Ali & Musaed, would like to invite you to our podcast ... at
www.deera-chat.blogspot.com
Deera-Chat is a weekly podcast about our lives in Kuwait ... so check it out ... and then let us know what you think at
deera.chat@gmail.com

Mohamed Al-Ashry said...

//
تحية حرية
..
أحييك على مدونتك بخطوطها الناعمة
ورغبتك الأكيدة في التحرر من أعباء الذات
وإعادة تكوين الحياة مرة أخرى
..
//